الإشاعة سلاح خير وشر فاحذروها

الإشاعة قديمة قدم البشرية ، وينتظر لها أن تعيش ما عاشت البشرية ، ذلك أن أرض الجماهيـر أرض خصبة تزدهر فيها الشائعات خاصةً عندما تتلبد فوقها غيوم الغموض التي تولد أجواء الاهتمامات ، فتنطلق الشائعات فتحجب عن الرائي آفاق الرؤيا الواضحة وتسد عن ناظريه السبيل فلا يرى من حقائق الموضوعية شيء .
ومنذ بدء الصراع الإنساني نفسه الذي اعتمد فيه الإنسان على القدرة العسكرية (الرجال والسلاح) والقوى المعنوية (الإرادة ) اعتمد الحرب النفسية على رأس هذه القوى وبأساليبها المختلفة التي تقف الإشاعة على رأس السلم منها .
تعرف الإشاعة على أنها كل خبر يحتمل الص
دق مجهول المصدر وليس معه دليل على صحته يتناقله الأفراد لارتباطه بموضوعات تعتبر هامة بالنسبة إليهم ، ويروج له بوسائل مختلفة بقصد تقبله ليخدم أهداف جهة المنشأ .
وسواء أكانت الإشاعة وردية متفائلة ، أو سوداء متشائمة ، وإن كانت مسايرة لهوى النفس وآمالها ، أو مثيرة لقلقها ومخاوفها ، فهي تضطلع في كل هذه الحالات بوظائف نفسية هامة ، تسد الثغرة وتعوض النقص في موضوع من الموضوعات الهامة فتفتح الباب أمام خفايا في أعين الجماهير فتسبغ على الأحداث دلالات من ذاتها غريبة عنها ، ومن هنا تعد الإشاعة وليدة مجتمعها ، وتعبيراً عميقاً عن نفسيته .
لقد كانت الحرب النفسية قديماً محدودة المجال والوسائل لا تتعدى الإشاعة بين الأعداء وصف الجيش وقوته وقدرته الأكيدة على النصر بمقابل الإشاعة عن جيش الأعداء بالضعف والاهتزاز ، لكن الوسائل النفسية قد دخلت بمعنى الكلمة إلى مسرح الحرب في حروب القرن الحالي وبرز هذا التطور جلياً في الحرب العالمية الثانية ، فأصبحت سيكولوجية الإشاعة تمثل جانباً هاماً من جوانب عالمنا المعاصر.

ولقد نوه القادة والزعماء بأهمية الحرب النفسية وأثرها في إدارة الصراع وفي نتائجه مثل قول القائد الألماني رومل (Romel) (إن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم )، وقول الجنرال ديغول (لكي تنتصر دولة ما في حرب عليها أن تشن الحرب النفسية قبل أن تتحرك قواتها إلى ميادين القتال ، وتظل هذه الحرب تساند هذه القوات حتى تنتهي من مهمتها) ويقول تشرشل (كثيراً ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ)
وإذا كانت نقطة البدء في الحروب العسكرية هي الجيوش وتحركاتها ، فإن نقطة البدء في الحرب النفسية وفي حرب الإشاعة هي الشعوب والجماهير للتأثير على مواقفها وأهدافها وسلوكها ، وإذا كانت الحروب العسكرية ظاهرة مؤقتة تظهر في ظروف معلومة في الإمكان التحكم في ظهورها وإلغائها فإن الحروب النفسية ظاهرة ستستمر ، وإذا كانت أسلحة الحروب العسكرية لا تعمل إلا في أوقات محددة، فإن أدوات الحرب النفسية تعمل كل الوقت وتشغل كل مكان .
تبدأ الإشاعة بمرحلة الصنع والانطلاق وتحتاج هنا إلى الدراسة للموقف من كل جوانبه بعد تحديد الهدف والإمكانات والتوقعات والبدائل ، أي القيام بعملية التخطيط الشاملة ، ثم مرحلة نشر الإشاعة ونقلها وترديدها وتحتاج هنا إلى الوسيلة والطاقم المنظم وغير المنظم ، وأخيراً إيصال الإشاعة وتبليغها
والحرب النفسية سلاح فعال وشديد التأثير في المعركة ، وقد أجمع العلم العسكري وخبرة الحروب على أنه يساهم مساهمة كبيرة مع أعمال القتال وغيرها من أساليب الصراع في تحقيق الانتصار بسرعة وبأقل الخسائر في الأرواح والمعدات .
فإذا كانت أعمال القتال باستخدام الأسلحة تقوم بتدمير قوات العدو ومعداته ، وإذا كانت الحرب الاقتصادية تحرمه من المواد الحيوية ، فإن الحرب النفسية تجرد العدو من أثمن ما لديه وهو (إرادته القتالية ) وهكذا تعتبر الحرب النفسية أخطر أنواع الحروب ، لأنها تستهدف من المقاتل عقله وتفكيره وقلبه ، لكي تحطم روحه المعنوية ، وتقضي على إرادة القتال لديه ، وتقوده بالتالي نحو الهزيمة .
ولقد أدرك رجال العسكرية في عصرنا خطورة سلاح الحرب النفسية ، فوضعوه في الصدارة بين أسلحة الحروب ، ووقر في قلوبهم الإيمان بأنه قد يكون أشد فاعلية وتأثير من الأسلحة الأخرى في تحقيق هدف النصر بسرعة .
وقد مرت الحرب النفسية بأطوار فمن العهود القديمة إلى عهد الفراعنة ، فاليونان ، فالرومان ، فالعهد الإسلامي ، فالعهد الحديث .
استخدم الفراعنة الصحافة والدعاية ، واهتم اليونان بالخطابة ، والرومانيون بالصحافة للدعاية والحرب النفسية ، واستخدم الصينيون الأساليب النفسية والقوة المعنوية في حروبهم ، وأولى المسلمون الجانب المعنوي العناية القصوى في المجال العسكري ، واستخدم التتار أسلوب الإرهاب وبث الرعب كجزء أساسي من أساليب القتال التي استخدموها .
أما في العهد الحديث فقد كانت الحرب العالمية الأولى والثانية مجالاً تجريبياً ضخماً للحرب النفسية ، فقد رافق تطور أساليب الحرب التقليدية تطوراً في مجالات هامة أثرت على تطوير الحرب النفسية كتقدم الاتصالات ووسائل الإعلام والعلوم التقنية وازدهار علم النفس والعلوم الأخرى ذات الصلة ، فاستخدمت الحرب النفسية على نطاق مبرمج وواسع جداً وعلى نحو علمي مدروس لتخرج من الحرب بمدارس خاصة بكل من الدول المشاركة في الحرب مثل الحرب النفسية الأمريكية والروسية والألمانية وغيرها.